سألتُ يسوع أن أرافقه على درب الجلجلة، خطوةً خطوة، وأن أسيرَ معه إلى ذلك الجبل حَيثُ عُلّقَ بين أرضٍ وسماء، بين لِصّين.
"أمُتأكِد أنت"؟ سألني، "الدرب شاق عليك". فأومأتُ برأسي: "مُصِرٌّ أنا على المَسير معك". وانطلقنا...
من عِند بيلاطس كان المشوار. الحكمُ صَدر. "اصلبه، اصلبه"! يهتفون، يهللون لحريّة باراباس، وأنا واقفٌ هناك... لِمَ لمْ يفتح فاه؟ هو بريء. كشاةٍ يسوقونه إلى الذبح وهو صامت. نظرَ في عينيّ وكأنه عرف ما يدور في ذهني. فأخفضتُ على الفور رأسي. كيف ألومه؟ أنا أيضاً لم أفتح فمي. لم أنادِ باسم مَن أصررتُ على السير معه. لم أجرؤ خوفاً من أن يحكموا عليّ مثله.
ومشَينا... ومشى ناحيتنا رجالٌ ونساء كُثر، وحمّلوا يسوع صليباً ثقيلاً وهم يسخرون، يبصقون ويقهقهون. ما بالهم؟ هل فقدوا صوابهم؟ إنه ثقيلٌ جداً عليه. ولكنني فضّلتُ ألا أقترِب... أن أتوارى بين الجموع لئلا يحمّلوني صليباً مثله، ولكن نظراته وجدتني، فصرفتُ وجهي عنها وشعرت بثقل خطاياي على منكبيه، أكررها وأكررها فتوقِعُه مرةً، فاثنين، فثلاث.
بصعوبةٍ أكملنا المَسير، حتى وصلنا إلى فوق. مزّقوا ثيابه، عرّوه منها، سقوه خلاً وأنا؟... متفرّج! لم أهبّ إليه لأسقيه قطرة ماء عندما قال: ”أنا عطشان“. وفكرت كم مرة سألني قريبي ماءً فناولته مثل هؤلاء خلاً بدل أن أبلّ شفتيه. لم أعد أستطيع إكمال الطريق معه، لا تعباً، بل خجلاً من نفسي، من عُريي، من صمتي... ولكنه بدل أن يدينني رمقني بنظرة حب: تشجّع! قال لي. لم أفهم.
سمّروه على الصليب، بالشوك كللوه، بالحربة طعنوه! أردت أن أصرخ: لا، ابتعدوا عنه، إنه بريء.. ولكن صوتي اختنق وبدل أن أصرخ أنا، صرخ هو... وأسلم الروح. انشقّ حجاب الهيكل وانشق معه قلبي نصفين. كيف بقيت متفرجاً كل هذا الوقت؟! أنزَلوه عن الصليب وأدخلوه القبر. غافلتُ الحراس ودخلت معه... لم أعد أريد شيئاً. أريد أن أموت معه. عن العالم، عن حياتي السابقة، عن خطيئتي. وشعرت بسكينة لم أعرفها يوماً. الآن فهمت! كان هو من يرافقني ولست أنا من كان يرافقه. لست أدري كم من الوقت بقيت على هذه الحال ولكني استيقظت فجأة لأرى نوراً عظيماً وإذا بنا، كلانا، خارج القبر. لقد قام! وأنا شهدت على ذلك!